تقرير المرصد حول المآل القضائي للوثيقة "التحذيرية"..
ورقات تونسية - كتب حكيم غانمي:
ان المرصد التونسي لاستقلال القضاء وفي إطار متابعته للقضية المنشورة بمكتب التحقيق الثاني عشر بالمحكمة الابتدائية بتونس والمتعلقة باغتيال الشهيد محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس حركة التيار الشعبي بتاريخ 25 جويلية 2013 أصدر بتاريخ 7 أكتوبر 2013 تقريره "الآني والحيني" ليتوصل الى استنتاجات لم تخلو من الطابع المعلوماتي فيما يتعلق بموضوع ذات التقرير وهي الوثيقة "التحذيرية" والتي يبدو أنها الوثيقة "الأهم" في هذا الملف..
ولئن أعتبر ما تضمنه يساهم بنسق وافر إنارة الرأي العام فإني أتوقف مرة أخرى لأجدد دعوتي الى تفعيل القانون وتطبيقه مهما كانت الأطراف المستفيدة أم المتضررة من تطبيق القانون.. لأنه بات واضحا أن الرأي العام دخل منعرجات تكاثر المعلومات وتزايد التصريحات المتضاربة هنا وهناك كما من هنا وهناك مما جعل الرأي العام يسقط منهك القوى النفسية الى درجة افقدته الثقة في الاجهزة الرسمية خاصة.. ومن خلال ورقة اليوم هذا مضمون تقرير حول المآل القضائي للوثيقة "التحذيرية" المتعلقة باغتيال الشهيد محمد البراهمي كما ورد بالبيان الذي أصدره المرصد التونسي لاستقلال القضاء يوم السابع من اكتوبر 2013.. وهو مجهود لا يخلو من توضيح بعض جوانب قضية كهذه شغلت بال وقلوب كل الناس:
** اذ يذكّر بما تم كشفه بتاريخ 12 سبتمبر 2013 بندوة صحفية من قبل السيد الطيب العقيلي أحد اعضاء المبادرة الوطنية من اجل كشف الحقيقة حول اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذي صرح بتوصل أعضاء المبادرة بوثيقة صادرة عن وزارة الداخلية بتاريخ 14 جويلية 2013 تفيد بوصول معلومات من جهة مخابراتية اجنبية تحذر من تعرض البراهمي لاغتيال من قبل مجموعات وصفت بالسلفية إلا أن وزارة الداخلية لم تعلم الفقيد ولم توفر الحماية الأمنية له.
** واذ يشير الى تأكيد ذلك بما نشر حول الوثيقة المذكورة بالصحافة اليومية (الشروق: 13 سبتمبر 2013 – المغرب: 14 سبتمبر 2013) التي أفادت بان تلك الوثيقة تثبت أن وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية قد نبهت وزارة الداخلية بوجود معلومات عن استهداف وشيك للفقيد محمد البراهمي إضافة لما أفاد به احد نواب المجلس الوطني التأسيسي من وجود مذكرة رسمية صادرة عن المدير العام للمصالح المختصة تضمنت نفس المعلومات الاستخباراتية (الموقع الالكتروني نواة = كواليس اغتيال البراهمي: اختراق المخابرات واخفاق الداخلية ).
** واذ يذكّر بان وزارة الداخلية قد عبّرت في بلاغ صادر عنها بتاريخ 13 سبتمبر 2013 عن "استعدادها الكامل واللامشروط لوضع كل المعطيات على ذمة القضاء متى طلب منها ذلك بناء على اعتقادها الراسخ في استقلالية ونزاهة الجهات القضائية المتعهدة وذلك دون تحفظ"، إضافة الى اعلانها عن تكليف وزير الداخلية للتفقدية بالتحري الداخلي في هذه المسألة وتقييم أي تقصير محتمل أو خطأ في التقدير.
** واذ يبرز تأكيد وزير الداخلية يوم 13 سبتمبر 2013 انه لم يكن على علم بالوثيقة عن طريق القناة المعتادة في صلب الوزارة وهي إدارة الأمن العمومي (تصريح لوزير الداخلية على اثر مقابلة رئيس المجلس الوطني التأسيسي) وكذلك تأكيد رئيس الحكومة بتاريخ 18 سبتمبر 2013 انه لم يعلم بوجود الوثيقة المذكورة إلا بعد فترة من حادثة الاغتيال (بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة في 18 سبتمبر 2013).
** واذ يضيف الى ذلك اعتراف وزير الداخلية بفشل وزارته في حماية الفقيد محمد البراهمي وذلك خلال جلسة مساءلة أمام المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 19 سبتمبر 2013 وما أفاد به الوزير من ان الاستخبارات الامريكية قد أبلغت في 12 جويلية 2013 عبر رسالة باللغة الانجليزية إدارة الأمن الخارجي بوزارة الداخلية التونسية معلومة مفادها إمكانية استهداف محمد البراهمي وان المدير العام للمصالح المختصة (المخابرات) قد وجه نسخا من تلك الرسالة بعد ترجمتها للعربية إلى مسؤولي عدد من الإدارات الأمنية بوزارة الداخلية لاجراء ما يتعيّن في نطاق الاختصاص، لكن قبل ان ينجز هؤلاء ما انيط بعهدتهم تم اغتيال الشهيد محمد البراهمي.
** واذ يشير الى تصريح الوزير اثناء الجلسة المنعقدة بالمجلس الوطني التأسيسي ان النيابة العمومية قد فتحت تحقيقا قضائيا في الموضوع.
وبناء على ذلك فان المرصد التونسي لاستقلال القضاء يعرض استنادا إلى معلومات مباشرة بالمحكمة الابتدائية بتونس المعطيات الخاصة بالإجراءات القضائية المرتبطة بمآل الوثيقة "التحذيرية" المذكورة وخصوصا ما لوحظ من تراخي الجهات المعنية إضافة إلى الأعمال القضائية التي تم انجازها بهذا الشأن.
أولا: عدم تعاون وزارة الداخلية وعدم مبادرة الجهات المعنية:
يلاحظ ان الوثيقة "التحذيرية" التي أعلن عن وجودها وسبق نشرها بوسائل الإعلام لم يتم تقديمها الى السلطات القضائية في نسختها الأصلية من قبل الاطراف المعنية بها.
1) من جهة وزارة الداخلية:
** تبين ان وزارة الداخلية لم تقدم لقاضي التحقيق المتعهد الوثيقة الاصلية لرسالة التحذير الصادرة عن وكالة الاستخبارات الامريكية والمحررة باللغة الانجليزية، ولا تزال الوزارة ممتنعة الى الآن عن تقديم أية وثيقة تخص الموضوع المذكور بما في ذلك نتائج البحث الداخلي بواسطة التفقدية التي قامت بتسريبها بعض الجهات الأمنية إلى الصحافة (جريدة الشروق بتاريخ 6 أكتوبر 2013: كشفها مصدر أمني لـ«الشروق»:القصّة الكاملة لتسريب الوثيقة الاستخباراتية).
** يتضح ان موقف وزارة الداخلية لا يستند الى تبريرات مشروعة خصوصا وقد ثبت ان قاضي التحقيق المتعهد بقضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي قد كاتب بصفة رسمية وزير الداخلية منذ ما يزيد عن اسبوعين من الآن وقام بتذكيره بمراسلة ثانية وذلك قصد الادلاء بالوثيقة المذكورة وغيرها من المعطيات المرتبطة بها الا ان وزير الداخلية لم يجب الجهة القضائية ولم يقم ببيان الموانع التي تحول دون ذلك.
** من الواضح ان موقف وزارة الداخلية يؤكد عدم تعاونها مع الجهة القضائية خلافا لما صرحت به في 13 سبتمبر 2013 بشأن استعدادها الكامل بوضع كل المعطيات على ذمة القضاء متى طلب منها ذلك.
2) من جهة المبادرة الوطنية من اجل كشف الحقيقة:
** يلاحظ انه لم يتيسر سماع السيد الطيب العقيلي عضو المبادرة الوطنية من اجل كشف الحقيقة بصفته شاهدا الا بعد أسبوعين من عقده الندوة الصحفية المشار إليها وذلك لعدم حضوره لدى قاضي التحقيق المتعهد بصفة تلقائية وعدم معرفة عنوانه حتى يتم استدعائه على اثر تصريحاته الإعلامية.
** قدم السيد الطيب العقيلي لقاضي التحقيق المتعهد جملة من المعطيات الخاصة بالوثيقة وذلك بمناسبة سماعه بتاريخ 27 سبتمبر 2013 بعد تبليغه الاستدعاء بواسطة الغير.
ثانيا: مباشرة الأعمال القضائية المتصلة بالوثيقة "التحذيرية":
من الملاحظ ان النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لم تأذن بفتح تحقيق مستقل في الوثيقة "التحذيرية" خلافا لما صرح به وزير الداخلية وذلك بسبب ارتباط الوثيقة بالقضية المنشورة لدى مكتب التحقيق عدد 12 كما أن أعمال التحقيق لم تتوقف رغم امتناع وزارة الداخلية عن الجواب لمبادرة قاضي التحقيق باجراء الأعمال الاستقصائية المتعلقة بالموضوع.
1) من جهة النيابة العمومية:
** تلقت النيابة العمومية في موضوع الوثيقة "التحذيرية" شكايتين ضد رئيس الحكومة ووزير الداخلية وبعض القيادات الامنية بتاريخ 18 سبتمبر 2013 الأولى صادرة عن ورثة الشهيد محمد البراهمي والثانية عن عدد من نواب المجلس الوطني التأسيسي (راجع البلاغ الصادر عن النواب المنسحبين بتاريخ 12 سبتمبر 2013 – صحيفة الشروق بتاريخ 19 سبتمبر 2013).
** اعتبرت النيابة العمومية أن الشكايتين المذكورتين مرتبطتان مباشرة بالقضية التحقيقية المتعلقة باغتيال الشهيد محمد البراهمي وتولت احالتهما مع المؤيدات المرفقة بهما على قاضي التحقيق المتعهد.
2) من جهة قاضي التحقيق:
** يستهدف التحقيق في اطار البحث المجرى في قضية الاغتيال الاستناد إلى الوثيقة "التحذيرية" من جانبين:
أولا كدليل من جملة الأدلة المتعلقة بالقضية بقصد تحديد الطرف الذي قام بعملية الاغتيال بالنظر الى ما تم من أبحاث سابقة وثانيا كعنصر إثبات للوقوف على حقيقة التقصير أو القصد أو سوء النية أو التواطؤ وتقدير مدى مساهمة ذلك في الاغتيال أو المشاركة فيه.
** تمت مباشرة التحقيق في الوقائع المرتبطة بالوثيقة اعتمادا على ثبوت وجودها حسب النسخة المتداولة المستند اليها في الشكايتين الجزائيتين المشار إليهما إضافة الى التسليم بذلك طبق التصريحات المتظافرة للمسؤولين بوزارة الداخلية، غير أن ذلك لا يغني عن تقديم النسخة الأصلية للوثيقة المذكورة.
** تولى قاضي التحقيق المتعهد إضافة إلى مكاتبة وزير الداخلية في مناسبتين وتلقي شهادة السيد الطيب العقيلي سماع عدد من المسؤولين الامنيين التابعين للإدارات المعنية بتداول الوثيقة من بينهم مدير التعاون الدولي لإدارة الأمن الخارجي الراجعة بالنظر للإدارة العامة للمصالح المختصة الذي تم سماعه بتاريخ 2 أكتوبر 2013 (صحيفة الصباح 3 أكتوبر 2013 ).
ثالثا: التوصيات:
إن المرصد التونسي لاستقلال القضاء في ضوء المعطيات المذكورة:
** يدعو السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الحكومة ووزير الداخلية إلى إعطاء الإذن للمصالح الراجعة لهما بالنظر بالتعاون مع الجهات القضائية وخصوصا تمكين قاضي التحقيق من جميع المعطيات المتعلقة بالموضوع.
** يتوجه إلى جميع الأطراف المعنية بقضية الاغتيال إلى مراعاة سرية التحقيق وإعطاء الأولوية للحقيقة القضائية والحرص على التعاون مع القاضي المتعهد في إطار ما خوله القانون والمبادرة دون تأخير بمد الجهة القضائية بعناصر الإثبات المتصلة بقضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي.
عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء
الرئيس أحمد الرحموني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.