بحث في الأرشيف

الخميس، 9 مايو 2013

وجهة نظر: النضال من اجل حرية الصحافة ام من اجل حق المواطن في الاعلام؟..


 ورقات تونسية - مختارات:
بقلم الاستاذ: محمد حمدان
"استاذ قانون الاعلام بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار"

كانت الصحافة قبل 14 جانفي 2011 أداة في خدمة السلطة السياسية جندتها رسميا لخدمة الوحدة الوطنية ولخدمة التنمية ولكنها وظفتها فعليا في خدمة النظام الحاكم وللدفاع عن مصالحه وكانت الصحفي انطلاقا من هذا المنظور يقوم بوظيفة اعطاء الشرعية لهذه السلطة السياسية وهو بالتالي يخضع لمراقبة مسبقة متشددة للالتزام بهذه الوظيفة, وتحولت النظرة للصحافة بعد الثورة لتصبح سلطة رابعة تقوم على منظومة ديمقراطية اساسها تفريق السلط وتلعب فيها الصحافة دور الرقيب على بقية السلط السياسية ودر المنبه لتجاوزتهاها ودور المعبر عن الراي العام والمدافع عن حقوق المواطن..
 وبالرغم من دفاع القوى الحاكمة بعد الثورة عن مبدأ حرية الصحافة عندما كانت مضطهدة من قبل بن علي فان وصولها للحكم جعلها تراجع نظرتها لحرية الصحافة والصحافيين وهي تسعى لتطويق هذه الحرية حتى لا تهدد مصالحها السياسية في البقاء في الحكم ومن الطبيعي ان تحدث المواجهة بين الاعلاميين والسياسيين لتكريس حرية الاعلام بصفة لا رجعة فيها وما النضالات االتي تقودها نقابه الصحافيين اليوم الا تعبير عن رفض الاعلاميين للنظام الاعلامي السابق وتمسكهم بالتصور الجديد لوظيفتهم في ظل المنظومة الديمقراطية الجديدة وما المساعي الحالية لتهديد الصحفيين وترهيبهم ومقاضاتهم الا تعبير عن مرحلة انتقالية تنبئ بانخرام التوازن القائم في الماضي بين السياسيين والاعلاميين وتبشر بنظام يقوم على توازن جديد وتوزيع جديد للادوار بينهما ومهما كانت السلطة التي ستحكم البلاد في المستقبل فان الصحافة لن تكون بالنسبة اليها الا سلطة مضادة ونستطيع ان نقول اليوم ان حرية الصحافة اصبحت مكسبا يخضع بالضرورة للتهديدات ويتطلب يقظة متواصلة للمحافظة عليه وتطويره ولكنه اصبح بالتاكيد مكسبا لا رجعة فيه.
واذا ما تخلص الاعلام من التبعية ازاء السلطة السياسية فانه لم يحقق بالضرورة استقلاليته الفعلية واذا ما نجح الاعلاميون في التخلص من كابوس بن علي ونظامه فان الصحافة اصبحت اليوم مهددة اليوم بالتبعية لراس المال فالاعلام هو بالاساس صناعة اصبحت تتطلب تكنولوجيات متطورة وتمويلات ضخمة والايمان بمجموعة من القيم والافكار لا يكفي لاصدار جريدة او انشاء محطة تلفزية او استخلاص حقوق البث الضخمة عبر الاقمار الصناعية وحتى الذين تشجعوا من الاعلاميين لاصدار صحفهم كان نصيبهم في الغالب الفشل ولن يستفيد بالتالي من هذه الحرية الا من توفرت لهم الامكانيات الضخمة لضمان الاستمرارية لوسائل اعلامهم سواء كانوا رجال اعمال او احزابا سياسية ولن يستفيد من الحرية في النهاية الا القوي وتصبح الحرية لا معنى لها اذا كانت مقترنة بالخصاصة وضيق ذات اليد
لذلك فان رفع شعار حرية الصحافة لم يعد كافيا وفعالا لتامين الوظيفة الجديدة للاعلام في مجتمع ديمقراطي بل ان المطلب الرئيسي الواجب رفعه اليوم يتمثل في الدفاع عن حق المواطن في الاعلام ,وتامين هذا الحق لا يمكن ان يتم بدون النظر الى الاعلام كمنتوج اقتصادي وبدون تدخل الدولة لمساعدة مختلف الحساسيات الفكرية والتيارات السياسية والاجيال الجديدة من الاعلامين لمساعدتهم على بعث وسائل اعلاميه تكون قادرة ماديا على البقاء والاستمرارية ,واذا ما توفق المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة في تخليص الاعلام من التبعية السياسية فلم يتضمن هذا النص اي اجراءات عملية لتحفيز المبادرات الاعلامية الجديدة ولم يصدر حتى الان اي نص قانوني لتنظيم توزيع موارد الاشهار العمومي كما لم يصدر اي نص قانوني يتضمن اية حوافز لاعلام ما بعد الثورة ولم تتخذ اي اجراءات للتقليص من كلفة البث من قبل ديوان الارسال الاذاعي والتلفزي لفائدة الباعثين الجدد من الاذاعيين وبقيت اغلب وسائل الاعلام بالتالي تحت سيطرة القوى التي كانت تتحكم في الاعلام في الماضي ولا يمكن للمواطن الوصول الى المعلومة الا عبر هذه الوسائل الاعلامية لذلك فان المرحلة المقبلة للنضالات الاعلامية يجب تتركز على الدفاع عن حق المواطن في الاعلام وعما يتطلبه هذا الحق من تدخل الدولة للمساعدة على بناء منظومة اعلامية جديدة منسجمة مع اهداف الثورة..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.