بقلم القاضي الدكتور والمدّرس الجامعي جابر غنيمي
(المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمهدية)
ورقات تونسية ـ إقتباسات:
لقد صدر
الأمر الحكومي عدد 152 لسنة 2020 المؤرخ في 13 مارس 2020، والذي اعتبر في فصله
الأول أن الإصابة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد 19) من صنف الأمراض السارية المنصوص
عليها بالمرفق الملحق بالقانون عدد 71 لسنة 1992 المؤرخ في 27 جويلية 1992.
وشدد على أنه تطبق تبعا لذلك عليه وعلى المصابين به الأحكام المتعلّقة بوجوبية الفحص والعلاج والاستشفاء الوجوبي بغرض العزل الإتقائي بنفس الشروط الواردة بالأحكام التشريعيّة والترتيبيّة الجاري بها العمل المتعلقة بالأمراض السّارية. ذلك إن اعتبار فيروس كورونا من الأمراض السارية ينتج عنه وجوبية خضوع المصاب به إلى إجراءات و تدابير محددة ( الجزء الأول) و يترتب عن مخالفتها عقوبات سجنية (الجزء الثاني).
وشدد على أنه تطبق تبعا لذلك عليه وعلى المصابين به الأحكام المتعلّقة بوجوبية الفحص والعلاج والاستشفاء الوجوبي بغرض العزل الإتقائي بنفس الشروط الواردة بالأحكام التشريعيّة والترتيبيّة الجاري بها العمل المتعلقة بالأمراض السّارية. ذلك إن اعتبار فيروس كورونا من الأمراض السارية ينتج عنه وجوبية خضوع المصاب به إلى إجراءات و تدابير محددة ( الجزء الأول) و يترتب عن مخالفتها عقوبات سجنية (الجزء الثاني).
الجزء
الأول:
الإجراءات
و التدابير المفروضة على المصاب بفيروس كورونا بإعتباره من الأمراض السارية:
إن اعتبار
فيروس كورونا من الأمراض السارية طبق ما جاء به الأمر الحكومي عدد 152 المؤرخ في
13/3/2020 يجعل من المصابين به يخضعون إلى إجراءات الفحص و العلاج و الاستشفاء
الوجوبي الواردة بالقانون عدد 71 لسنة 1992 المؤرخ في 27 جويلية 1992 المتعلق
بالأمراض السارية و المنقح بالقانون عدد 7 لسنة 2007 المؤرخ في 12 فيفري 2007 و
المتمثلة في وجوبية عرض المصاب بالكورونا نفسه على الطبيب للفحص و المعالجة (
الفقرة الأولى) و في صورة رفض الخضوع لإجراءات العرض على الفحص يقع إصدار قرار في
الاستشفاء الوجوبي ( الفقرة الثانية)..
الفقرة
الأولى:
وجوبية
عرض المصاب بالكورونا نفسه على الطبيب للفحص و المعالجة:
لقد فرض
الفصل 9 من قانون الأمراض السارية على كل شخص يعلم أنه مصاب بفيروس الكورونا أن
يعرض نفسه على طبيب للفحص والمعالجة. و في حالة رفضه العرض تلقائيا يمكن للسلطة
الصحية أن تلزمه بأن يعالج نفسه بصفة منتظمة مع إثبات ذلك بتقديم شهائد طبية في
الآجال التي تحددها له السلطة الصحية نفسها. و يتم متابعة العلاج إما لدى طبيب من
ذوي الممارسة الحرة حسب اختيار المريض أو بأحد الهياكل الصحية العمومية المعنية من
قبل السلطة الصحية. و يقع اللجوء إلى الاستشفاء الوجوبي في حالة عدم العرض التلقائي
على الفحص و العلاج.
الفقرة
الثانية:
الاستشفاء
الوجوبي..
يمكن
اللجوء إلى الاستشفاء الوجوبي في حالات معينة ( أ) بقرار من طرف الجهات القضائية
المختصة (ب) و ذلك في أماكن و لمدة معينة (ج) ويمكن وضع حد له بشروط معينة (ج).
أ- حالات
الاستشفاء الوجوبي:
لقد حدد
الفصل 11 من قانون الأمراض السارية حالات إصدار قرار الاستشفاء الوجوبي، فيمكن
إصداره لغرض العزل الإتقائي ضد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا وذلك في الحالات
التالية:
1) إذا
رفضوا مباشرة أو متابعة العلاج المحدد لهم رغم إلزامهم بذلك مع إثباته.
2) إذا
سعوا عمدا من خلال سلوكهم إلى انتقال المرض المصابين به إلى أشخاص آخرين.
ولقد منع
الفصل 14 من قانون الأمراض السارية أي شخص وقع استشفاؤه وجوبا أن يغادر من تلقاء
نفسه المؤسسة التي وقع قبوله لديها حتى ولو كان ذلك لأقصر مدة.
ب- الجهة المختصة
بإصدار و طلب قرار الاستشفاء الوجوبي:لقد نص الفصل 12 من قانون الأمراض السارية
على أن قرار الاستشفاء الوجوبي يصدر عن المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا،
والمنتصبة للقضاء استعجاليا بناء على طلب من وزير الصحة العمومية أو من يمثله وذلك
بعد سماع المريض وعند الاقتضاء من يمثله. وينفذ قرار الإستشفاء الوجوبي على
المسودة.
ج- مكان و مدة الاستشفاء الوجوبي: يتم الاستشفاء الوجوبي بأحد الهياكل
الصحية العمومية. ويقرر لمدة أقصاها ثلاثة أشهر قابلة للتجديد عند اللزوم من طرف
المحكمة الابتدائية المختصة. وينتهي الاستشفاء الوجوبي آليا إذا لم يقع تجديد
المدة.
د- نهاية الاستشفاء الوجوبي:يمكن وضع حد للاستشفاء الوجوبي من قبل السلط
المختصة و بشروط معينة.
1- الجهة المختصة بوضع حد للاستشفاء الوجوبي: يمكن وضع حد
للاستشفاء الوجوبي إما بمقرر من السلطة الصحية التي عرفها الفصل 5 من قانون
الأمراض السارية بأنها كل طبيب أو طبيب أسنان أو صيدلي أو إحيائي راجع بالنظر إلى
وزارة الصحة العمومية ويعمل في نطاق اختصاصاته أو تحصل على تفويض خاص لممارسة
الصلاحيات الخاصة المنصوص عليها بقانون الأمراض السارية، أو بقرار من المحكمة
الابتدائية التي أذنت به وذلك في صورة رفض السلطة الصحية. وتبت المحكمة في الطلب
المذكور وفق إجراءات القضاء الاستعجالي.ويصدر القرار في الحالتين بناء على طلب من
المريض أو من احد أصوله أو فروعه أو من قرينه.
2- شروط
وضع حد للاستشفاء الوجوبي: يمكن للمحكمة أو السلط الصحية نفسها التي تقرر وضع حد
للاستشفاء الوجوبي أن تفرض على المريض بطلب من وزير الصحة العمومية أو من يمثله،
المثول في مواعيد دورية محددة لدى المؤسسة التي وقع استشفاؤه بها ليخضع لفحوص
المراقبة والعلاج التي تتطلبها حالته الصحية.الجزء الثاني: جزاء مخالفة المصاب
بالكورونا للإجراءات والتدابير الواردة بقانون الأمراض السارية:ان خرق الإجراءات
و التدابير الواردة بقانون الأمراض السارية من طرف المصاب بالكورونا يعرضه إلى
عقوبات سجنية ( الفقرة الأولى) و التي يتم تنفيذها بأماكن خاصة ( الفقرة الثانية)..
الفقرة
الأولى:
العقوبات
السجنية:
يعاقب
الفصل 19 من قانون الأمراض السارية كل شخص وقع استشفاؤه وجوبا و يغادر من تلقاء
نفسه المؤسسة التي وقع قبوله لديها حتى ولو كان ذلك لأقصر مدة، بالسجن لمدة تتراوح
بين شهر وستة أشهر. وتسلط طبق أحكام الفصل 18 من القانون المذكورعقوبة بالسجن لمدة
تترواح بين سنة و ثلاث سنوات على المصابين بالكورونا:
1) إذا
رفضوا مباشرة أو متابعة العلاج المحدد لهم رغم الزامهم بذلك مع إثباته مثلما هو
منصوص عليه بالفصل 9 من هذا القانون.2) إذا سعوا عمدا من خلال سلوكهم إلى انتقال
المرض المصابين به إلى أشخاص آخرين.
الفقرة
الثانية:
تنفيذ
العقوبة:
الأصل أن
تنفذ العقوبات السجنية بالسجن أو الإصلاحية إذا كان مرتكب الجريمة طفلا لكن الأمر
يختلف بالنسبة للمصابين بالكورونا باعتبار أن تنفيذهم العقاب بالأماكن المذكورة
يؤدي إلى تفشي المرض بتلك الأماكن و بالتالي انتقال العدوى إلى باقي السجناء و أعوان
و إطارات المؤسسات السجنية، و لذلك فقد ارتأى الفصل 20 من قانون الأمراض السارية
أن تنفذ تلك العقوبات في وسط استشفائي معد لذلك.
الـخـاتـمـة:
يعتبر
ادراج مرض فيروس كورونا ضمن الامراض السارية و تطبيق التدابير الواردة بقانون
الامراض السارية لسنة 1992 على المصابين به حلا ملائما، لكنه لا يخلو من الثغرات و
النقائص فهو:
- لا يطبق
الا على الاشخاص الذين ثبتت اصابتهم بفيروس الكورونا و بالتالي فان المشتبه بهم
بالاصابة لا يدخلون تحت طائلة احكام هذا القانون.
- العلاج
و الفحص التلقائي للمصاب بفيروس كورونا بأحد المؤسسات العمومية أو طبيب خاص يحول
دون اقرار الاستشفاء الوجوبي، و هو ما يمثل خطورة كبيرة، فوجوده خارج المؤسسات
الصحية المهيئة للغرض ينقل العدوى للاخرين .
-
المؤسسات الصحية العمومية قد تكون عاجزة عن تنفيذ قرارات الاستشفاء الوجوبي خاصة
اذا تفاقم عدد المصابين بمرض الكورونا بشكل كبير.
- اتخاذ
قرار الاستشفاء الوجوبي بعد سماع المريض من قبل المحكمة لا يتماشى و الطابع
الوبائي لهذا المرض، باعتبار خطر العدوى التي ينقلها المصاب بالكورونا الى هيئة
المحكمة من قضاة و كتبة و كذلك الاشخاص الساهرين على نقله و جلبه.
- لم يرتب
القانون أي عقوبة في حالة رفض المصاب بالكورونا العرض التلقائي أو الإلزامي على
الفحص و العلاج مع علمه بانه مصاب بالفيروس.
- غياب
مراكز استشفائي معدة لتنفيذ العقوبات على المصابين بالكورونا الذين خالفوا
التراتيب القانونية، و أن وجدت فهي غير قادرة على استيعاب أعداد كبيرة .
لذا نحن
نقترح:
- التطبيق
الصارم لإجراءات الحجر الصحي الذاتي و ذلك باستعمال القوة العامة أن لزم الأمر و
تحرير المخالفات المستوجبة متمثلة أساسا في مخالفة القرارات الصادرة ممن له النظر
طبق الفصل 315 م ج و مخالفة التحجير حال وجود وباء طبق الفصل 312 م ج.
- تفعيل
الضبط الإداري للوالي و رئيس البلدية و ذلك بإصدار قرارات الغلق لكامل الوقت و ليس
الجزئي إلى حين انتفاء الموجب للمقاهي و المطاعم و الملاهي والمحلات والفضاءات
العمومية ومنع الاسواق والتجمعات، فالفصل 267 من مجلة الجماعات المحلية ينص على أن
لرئيس البلدية أن يقرر اتخاذ كل ما من شأنه أن يمكّن من تلافي الحوادث والآفات
والكوارث بشتى الوسائل الملائمة، والحرص الحازم على تنفيذ تلك القرارات.
- العمل
على توعية المواطنين بخطورة هذا الوباء و غرس روح التحلي بالمسؤولية لديهم.
- توفير
وسائل النظافة و التعقيم بجميع الفضاءات و المؤسسات العمومية بصفة مجانية .
- تطبيق
قانون الطوارئ:
ان ما
نلاحظه اليوم من استهانة المواطنين بتدابير الوقاية وتواصل الاختلاط التجمعات
البشرية في المقاهي والمنتزهات والفضاءات العمومية والاسواق ووسائل النقل، وما
شهدناه من فرار بعض المصابين وعدم التصريح بإصابتهم بفيروس الكورونا وغلق هواتفهم
وعدم الالتزام بالحجر الذاتي و فتح المقاهي والمطاعم و المنتزهات بعد التوقيت
المحدد، يقتضي تطبيق إجراءات قانون الطوارئ، فالفصل الأول من الأمر عدد 50 لسنة
1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ نص على انه يمكن إعلان
حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل
خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة،
والتي
تخول لوزير الداخلية وللوالي منع جولان الأشخاص والعربات والأمر بالغلق المؤقت
لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها..
أن
الضرورة والمصلحة العليا للعباد و البلاد، تفرض في الوقت الراهن، ونحن أمام مرض
وبائي و كارثة عامة، قد تؤدي إلى هلاك أعداد كبيرة من المواطنين، لا قدر الله،
اتخاذ إجراءات أكثر صرامة و لو كانت نتائجها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي
مؤلمة و موجعة، تفاديا لانتشار هذا الوباء و حتى لا ننتقل إلى حالة لا يمكن فيها
السيطرة عليه، ويصبح فرضه فيما بعد غير ذي جدوى لفوات الآوان، والوقاية خير من
العلاج..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.