بحث في الأرشيف

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

للتاريخ: مدرسة الغريس محراب شامخ.. وحكاية صورة أثارت وجدانات الكثير من بني موطني..

ورقات تونسية - كتب محمد بدور:
من الصور التي لقيت اعجاب الكثيرين.. والمعلقين.. تعليقات الحنين.. والحسرة أحيانا.. والتحمس أحيانا أخرى لم أشأ التعليق في البداية.. لكنني سأفعل هذه المرة.. عرفت المكان لأكثر من خمسين عاما.. عايشته في فترة بناء الجدران..     والأشجار.. ونهلت منه.. عرفت قصة بنائه.. في أول صرح يبنى بالجهة.. يأتيه التلاميذ من أماكن مختلفة.. منها العيثة.. القنيف.. الطلحاية.. العكارمة.. راس الكاف.. للمدرسة علاقة متينة بوادي اللبن و وادي القصر.. وحانوت علي المتهني الذي رحل بحجارته زمن فيضان 1969.. للمدرسة حكايات مع أول المتعلمين.. في بداية الاستقلال.. متعلمون كالرجال.. منهم من غادرها ليتزوج.. منهم من واصل مشواره و قليلهم انقطع.. تعليم البنت في البداية كان محتشما..
ليست المدرسة مجرد ذكرى عابرة.. في حياة نساء و رجال الغريس.. الذين رحلوا أو الذين هم على قيد الحياة.. مسارها.. جاء ضد منطق العلاقة بين الظروف الاجتماعية للمتساكنين و نتائجها.. قد يفسر ذلك اليوم.. بعوامل متشعبة.. و لكن الأكيد أن منارة مثلها ما كانت لتصمد لولا.. تاريخها و حرص أهلها على مواصلة التشبث بطموح الخروج من وضع الى آخر..
لو كنت مجرد عابر لشممت رائحة مطبخها.. وترى بعينيك في الصباح الباكر بخار اناء الحليب الساخن.. وبرميل الزبدة.. واحجام البعض عن تناول الوجبات.. بعضهم يكتفي بالكسرة الساخنة يقتسمها مع الآخرين أو يحتفظ بها الى الزوال أحيانا.. سباق التعلم.. شرس.. ومولد لصراعات بين أنجب التلاميذ.. وقد تنشأ خصومات يقع فضها بالوادي المجاور.. الى حين يتخل معلم أو مدير.. لايقاف المعركة.. لكن الأكيد في كل ذلك.. أن الذين أكرمتهم المدرسة بالنجاح.. هم في غالبهم الآن.. يذكرون.. كيف شكلت هذه المنارة مخرجا لدخول معترك الحياة..
هي الآن مع الأسف تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ولا يؤمها الا القليل من المتعلمين.. فراغ المنطقة من أهلها.. أمر طبيعي لضرورة العمل والبحث عن الرزق.. هل كان بالامكان أن يظل وضعها أفضل..؟ لا..لأسباب موضوعية...يطول شرحها...و لكنها ستظل أم الجميع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.